محب الدين الخطيب العلامة الغيور
صفحة 1 من اصل 1
محب الدين الخطيب العلامة الغيور
يعد محب الدين الخطيب أمة وحده حيث كان يؤيد كل حركات التحرر الإسلامي في كل بقاع العالم.
ولد العلامة محب الدين الخطيب في (حي القيمريَّة) بدمشق في شهر شوال سنة 1303هـ الموافق لشهر يوليو 1886م.
كان والده الشيخ أبو الفتح الخطيب من رجالات دمشق يعمل أمينًا لدار الكتب الظاهرية، وتولَّى التدريس والوعظ في الجامع الأموي، له عدَّة مصنفات منها: «مختصر تاريخ ابن عساكر» و«مختصر تيسير الطالب»، و«شرح للعوامل».
كانت أمه من أسرة كريمة ذات دين، وخلق، وعلم، توفيت - رحمها الله - بين مكة والمدينة، وهي راجعة من فريضة الحج، وكان محب الدين صغيرًا في حجرها ساعة موتها.
التحق وهو في السابعة بمدرسة الترقي النموذجيَّة، وحصل منها على شهادة إتمام المرحلة الابتدائيَّة بدرجة جيد جدًّا، ثمَّ التحق بمدرسة مكتب عنبر، وبعد سنة توفي والده فترك المدرسة ولازم العلماء، وكان في هذه الفترة الشيخ طاهر الجزائري مشرفًا على المكتبات والمدارس في بلاد الشام غائبًا عن دمشق، فلمَّا عاد وكانت بينه وبين أبي الفتح الخطيب صلة ومودة وإخاء فلمَّا علم بموت والد محب الدين احتواه، وعطف عليه، ووجهه نحو العلم لينهل منه، ويتضلَّع من مشاربه، وغرس فيه حب قراءة التراث العربي الإسلامي، وبث فيه حب الدعوة إلى الله، كما حرَّضه على إيقاظ العرب ليقووا على حمل رسالة الإسلام، فهم مادة الإسلام.
وكان محب الدين الخطيب يقول: من هذا الشيخ عرفت إسلامي وعروبتي، وسعى شيخه الجزائري ليخلف محب الدين أباه في دار الكتب الظاهريَّة على أن ينوب عنه من يقوم بها حتى يبلغ سن الرشد، وفي هذه الفترة انتقى الشيخ لتلميذه محب الدين الخطيب مخطوطات من تأليف شيخ الإسلام ابن تيمية وأضرابه فيكلفه بنسخها.
وانتفع محب الدين بهذا العمل فتوسعت ثقافته العلميَّة، وترسخ في العلم وبخاصَّة انتفاعه بكتب شيخ الإسلام ابن تيمية ومدرسته السلفيَّة، فاستفاد بذلك اطلاعًَا على الإسلام المصفَّى من البدع والخرافات والأوهام، وأشغل وقته وانتفع بأجرة النسخ.
كما وجه الشيخ الجزائري تلميذه للالتحاق مرة ثانية بمكتب عنبر، وأوصاه بالتردد على العلماء: أحمد النويلاتي، وجمال الدين القاسمي، ومحمد علي مسلم، حيث كانت لهم غرف في مدرسة عبدالله باشا العظم.
في هذه الفترة المبكرة تفتحت آفاق التفكير العلمي عند محب الدين الخطيب، وانتفع بما تلقاه في المدرسة من علوم كونيَّة، وأضاف إليها مطالعاته المتواصلة في دار الكتب الظاهريَّة، واطلاعه على المجلات الكبرى في عصره: المقتطف، الهلال، الضياء.
وبعد أن أنهى الخطيب دراسته الثانويَّة عام (1906م) في بيروت، انتقل إلى عاصمة الخلافة: إسلامبول المعروفة يومئذٍ بـالأستانة، وهي القسطنطينيَّة، والتحق بكليتي الآداب والحقوق معا.
وهناك وبمواصلة الحوار الدائب استطاع محب الدين الخطيب مع صديقه الأمير عارف الشهابي أن يؤسسا جمعية النهضة العربيَّة للنهوض باللغة العربية وإحياء الثقافة الإسلامية، وكان صديقه محمد كرد علي يرسل إليهم الصحف بالبريد.
شعر الأتراك الاتحاديُّون الذين انقلبوا على الخلافة العثمانيَّة بكيد من يهود الدونمة، وأبقوا للخليفة الاسم ولهم الرسم، شعروا بنشاط جمعيَّة النهضة العربيَّة فداهموا غرفة الشيخ محب الدين الخطيب، ووجدوا فيها أوراقًا وصحفًا عربيَّة، وكاد الشيخ أن يهلك لولا أنَّ الله قيَّض له رجلاً كانت تربطه بأسرته روابط قويَّة.
اشتدت الرقابة الاتحاديَّة على الشيخ فغادر الأستانة بعد الانتهاء من السنة الثالثة إلى دمشق.
واختير الشيخ للعمل في اليمن وانتقل إليها، ومرَّ أثناء ذلك بمصر حيث التقى بشيخه طاهر الجزائري وصديقه محمد كرد علي، واتصل – أيضا - بأعلام الفكر والأدب.
ولمَّا وصل إلى اليمن اتصل بشوقي مؤيد العظم قائد الحديدة: الفرقة الرابعة عشر في الجيش العثماني.
لمَّا أعلن الدستور العثماني سنة (1908م) رجع إلى دمشق، وأصبح يطالب معه إخوانه هناك بحقوق العرب التي تنكرت لها حركة التتريك، وفي هذه الرحلة شارك في تحرير جريدة هزلية تسمى «كار الخرج»، فانتبهت السلطات الحكوميَّة للجريدة، فسافر الشيخ إلى بيروت، فأمرت الحكومة بملاحقته، فانتقل إلى القاهرة وهناك شارك في جريدة المؤيد.
وفي سنة (1913م) أسس الشيخ محمد رشيد رضا مدرسة الدعوة والإرشاد فدرس فيها الشيخ محب الدين الخطيب.
وعندما قامت الحرب العالمية الأولى سافر إلى مكة وأسس المطبعة الأميريَّة، وأصدر جريدة القبلة الناطقة باسم حكومة الحجاز، وكان الشريف حسين يستشيره في كثير من الأمور الخارجيَّة مع الشيخ كامل القصاب.
ولمَّا دخل العرب دمشق عام (1918م) بقيادة الأمير فيصل عاد الشيخ محب الدين الخطيب، وأنيط به إدارة وتحرير الجريدة الرسميَّة للحكومة باسم العاصمة.
ولمَّا دخل الفرنسيون عام 1920م دمشق غادرها الشيخ محب الدين إلى مصر واستقرَّ في القاهرة حيث عمل في تحرير جريدة الأهرام خمس سنوات، وهناك أسس المكتبة السلفيَّة ومطبعتها، حيث قام بطباعة الكتب السلفيَّة، ونشر كثيرًا منها، وأصدر مجلة الزهراء، وهي مجلة أدبيَّة اجتماعيَّة دامت خمس سنين، ثمَّ أسس جريدة الفتح، ثمَّ تولَّى تحرير مجلة الأزهر ست سنوات، ثمَّ ساهم في إنشاء جمعية الشبان المسلمين في القاهرة.
وقد أحدث قيام جمعية الشبان المسلمين في القاهرة ردة فعل شديدة لدى دعاة الإلحاد والعلمانيين والمنصرين، فتربصوا به حتى وجهوا أنظار النيابة العامَّة إلى مقال كتبه بعنوان: الحرية في بلاد الأطفال نال فيه من كمال أتاتورك فقبض عليه وحكم عليه بالسجن لمدة شهر.
جعل محب الدِّين مطبعته ومكتبته السلفية وصحفه, منبرًا لمقاومة التغريب وأفكاره، فهاجم سلامة موسى وأحمد لطفي السيد وطه حسين وغيرهم من رموز التغريب والعلمانية.
نشر في مجلة المؤيد كثيرًا من أعمال المنصرين البروتستانت نقلاً عن مجلتهم مجلة العالم الإسلامي الفرنسيَّة، وفضح ما يراد بالمسلمين من حشر على أيديهم وعقولهم الملوثة، فكان من نتاج ذلك الغارة على العالم الإسلامي الذي كان له دوي في العالم الإسلامي.
وكان من أوائل العلماء الذين تنبَّهوا لأخطار الصهيونيَّة، وحذروا منها، وكشفوا الغطاء عن حقائقها وأسرارها، ومحاولة اليهود في الوصول إلى فلسطين عام (1844م) ومطالبتهم لمحمد علي باشا بفلسطين، وما كان بينهم وبين السلطان عبد الحميد سنة (1902م)، ومقالاته في الفتح شاهد صدق على ذلك.
كما كان الشيخ محب الدين الخطيب مشرف اللجان التي تشكلت لجمع المال من أجل المجاهدين الذين يستعدون لملاقاة الفرنسيين الغزاة في ميسلون قرب دمشق.
وكشف زيف الحركات الباطنيَّة حيث استطاع الروافض أن يرسلوا أحدهم «محمد التقي» إلى مصر وتحت شعار التقريب أنشأ دارًا وأصدر مجلة واستأجر شقة في الزمالك وكانت الأموال تنفق دون حساب وتشكك المخلصون من علماء أهل السنة الذين خدعوا ابتداء بشعارات براقة وبدءوا يتركونها ويبعدون عنها ويحذرون منها.
قال الشيخ محب الدين الخطيب: انفض المسلمون جميعًا من حول دار التخريب التي كانت تسمى دار التقريب ومضى عليها زمن طويل والرياح تصفر في غرفها الخالية تنعى من استأجرها، ثم يذكر أنه لم يبق متعلقًا بعضويتها إلا بعض المنتفعين ماديًّا في ولاء انتمائهم إلى هذه الدار، وأن العلماء المخلصين من أهل السنة انكشف لهم المستور من حقيقة دين الرافضة، ودعوة التقريب التي يريدها الرافضة، فانفضوا عن الدار وعن الألاعيب التي يراد إشراكهم في تمثيلها، ثم يقول: فلم يبق موضع عجب إلا استمرار النشر الخادع في تلك المجلة ولعل القائمين يضعون لها حدًّا.
وهذه المجلة رسالة الإسلام توقفت في(17رمضان 1392هـ) وهو العدد(60).
ولما شعر الروافض بفشلها ويئِسوا من نجاحها أنشأوا دارًا لنشر عقيدة الروافض بين أهل السنة في مصر وهي تمارس نشاطها تحت اسم جمعية أهل البيت.
وقد صنف الشيخ محب الدين الخطيب كتابه الفذ: الخطوط العريضة لدين الاثنى عشرية وبين فيه كذبهم على الله وعلى رسوله وعلى كتابه وعلى آل البيت الطاهرين.
ولا يزال هذا الكتاب على صغر حجمه أصدق وثيقة في بيان دين الشيعة الاثنى عشرية وأنه كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماءً حتى إذا جاءه لم يجده شيئًا، بل وجد الرفض والتآمر على الإسلام والمسلمين والعمالة لأعداء الدين.
قام محب بنشر كتب شيخ الإسلام ابن تيمية، ودافع عن الصحابة ورد الشبهات عنهم ويتجلى ذلك في نشره كتاب العواصم من القواصم، هذا الكتاب الذي فند كثيرًا من الروايات الساقطة التي اخترعها الكذابون فيما حصل بين الصحابة.
كما نشر أعظم كتاب خدم السنة المطهرة وهو فتح الباري مع تعليقات الإمام ابن باز.
و تواصل مع العلماء والدعاة السلفيين ومن ذلك رسالته للشيخ الألباني كما في مقدمة آداب الزفاف.
بعد ثلاث وثمانين سنة قضاها في البحث، والتحرير، والتأليف، والدفاع عن الإسلام ضد المستشرقين، والمنصرين، والروافض، والعلمانيين توفي رحمه الله يوم 22 شوَّال سنة 1389هـ, الموافق 30 ديسمبر من عام 1969م, بمستشفى الكاتب بالدقي في مصر بعد إجراء عمليَّة جراحيَّة, وبعد أن أمضى حياة مليئة بالعمل والنَّشاط.
ولقد ترك محب الدين الخطيب آثارًا عظيمة تدل على عبقريته وموسوعيته كما قال أنور الجندي: وبالجملة فإنَّ السيد محب الدين الخطيب وآثاره تعد رصيدًا ضخمًا في تراثنا العربي، وفكرنا الإسلامي، وقد أضاف إضافات بناءة، وقدم إجابات عميقة، وزوايا جديدة لمفاهيم الثقافة العربيَّة وقيمها الأساسيَّة، منها: توضيح الجامع الصحيح للإمام البخاري – شرح صغير، والحديقة – 14 جزءًا – مجموعة أدبيَّة وحكم، والخطوط العريضة التي قام عليها دين الشيعة الاثنى عشريَّة، و مع الرعيل الأول – عرض وتحليل لحياة الرسول مع أصحابه، و من الإسلام إلى الإيمان – حقائق عن الفرقة الصوفيَّة التيجانيَّة، وحملة رسالة الإسلام الأولون، والإسلام دعوة الحقِّ والخير، وذو النورين عثمان بن عفان، و الجيل المثالي، ومراسلات بينه وبين الأمير شكيب أرسلان، بلغت ألف رسالة.
ولد العلامة محب الدين الخطيب في (حي القيمريَّة) بدمشق في شهر شوال سنة 1303هـ الموافق لشهر يوليو 1886م.
كان والده الشيخ أبو الفتح الخطيب من رجالات دمشق يعمل أمينًا لدار الكتب الظاهرية، وتولَّى التدريس والوعظ في الجامع الأموي، له عدَّة مصنفات منها: «مختصر تاريخ ابن عساكر» و«مختصر تيسير الطالب»، و«شرح للعوامل».
كانت أمه من أسرة كريمة ذات دين، وخلق، وعلم، توفيت - رحمها الله - بين مكة والمدينة، وهي راجعة من فريضة الحج، وكان محب الدين صغيرًا في حجرها ساعة موتها.
التحق وهو في السابعة بمدرسة الترقي النموذجيَّة، وحصل منها على شهادة إتمام المرحلة الابتدائيَّة بدرجة جيد جدًّا، ثمَّ التحق بمدرسة مكتب عنبر، وبعد سنة توفي والده فترك المدرسة ولازم العلماء، وكان في هذه الفترة الشيخ طاهر الجزائري مشرفًا على المكتبات والمدارس في بلاد الشام غائبًا عن دمشق، فلمَّا عاد وكانت بينه وبين أبي الفتح الخطيب صلة ومودة وإخاء فلمَّا علم بموت والد محب الدين احتواه، وعطف عليه، ووجهه نحو العلم لينهل منه، ويتضلَّع من مشاربه، وغرس فيه حب قراءة التراث العربي الإسلامي، وبث فيه حب الدعوة إلى الله، كما حرَّضه على إيقاظ العرب ليقووا على حمل رسالة الإسلام، فهم مادة الإسلام.
وكان محب الدين الخطيب يقول: من هذا الشيخ عرفت إسلامي وعروبتي، وسعى شيخه الجزائري ليخلف محب الدين أباه في دار الكتب الظاهريَّة على أن ينوب عنه من يقوم بها حتى يبلغ سن الرشد، وفي هذه الفترة انتقى الشيخ لتلميذه محب الدين الخطيب مخطوطات من تأليف شيخ الإسلام ابن تيمية وأضرابه فيكلفه بنسخها.
وانتفع محب الدين بهذا العمل فتوسعت ثقافته العلميَّة، وترسخ في العلم وبخاصَّة انتفاعه بكتب شيخ الإسلام ابن تيمية ومدرسته السلفيَّة، فاستفاد بذلك اطلاعًَا على الإسلام المصفَّى من البدع والخرافات والأوهام، وأشغل وقته وانتفع بأجرة النسخ.
كما وجه الشيخ الجزائري تلميذه للالتحاق مرة ثانية بمكتب عنبر، وأوصاه بالتردد على العلماء: أحمد النويلاتي، وجمال الدين القاسمي، ومحمد علي مسلم، حيث كانت لهم غرف في مدرسة عبدالله باشا العظم.
في هذه الفترة المبكرة تفتحت آفاق التفكير العلمي عند محب الدين الخطيب، وانتفع بما تلقاه في المدرسة من علوم كونيَّة، وأضاف إليها مطالعاته المتواصلة في دار الكتب الظاهريَّة، واطلاعه على المجلات الكبرى في عصره: المقتطف، الهلال، الضياء.
وبعد أن أنهى الخطيب دراسته الثانويَّة عام (1906م) في بيروت، انتقل إلى عاصمة الخلافة: إسلامبول المعروفة يومئذٍ بـالأستانة، وهي القسطنطينيَّة، والتحق بكليتي الآداب والحقوق معا.
وهناك وبمواصلة الحوار الدائب استطاع محب الدين الخطيب مع صديقه الأمير عارف الشهابي أن يؤسسا جمعية النهضة العربيَّة للنهوض باللغة العربية وإحياء الثقافة الإسلامية، وكان صديقه محمد كرد علي يرسل إليهم الصحف بالبريد.
شعر الأتراك الاتحاديُّون الذين انقلبوا على الخلافة العثمانيَّة بكيد من يهود الدونمة، وأبقوا للخليفة الاسم ولهم الرسم، شعروا بنشاط جمعيَّة النهضة العربيَّة فداهموا غرفة الشيخ محب الدين الخطيب، ووجدوا فيها أوراقًا وصحفًا عربيَّة، وكاد الشيخ أن يهلك لولا أنَّ الله قيَّض له رجلاً كانت تربطه بأسرته روابط قويَّة.
اشتدت الرقابة الاتحاديَّة على الشيخ فغادر الأستانة بعد الانتهاء من السنة الثالثة إلى دمشق.
واختير الشيخ للعمل في اليمن وانتقل إليها، ومرَّ أثناء ذلك بمصر حيث التقى بشيخه طاهر الجزائري وصديقه محمد كرد علي، واتصل – أيضا - بأعلام الفكر والأدب.
ولمَّا وصل إلى اليمن اتصل بشوقي مؤيد العظم قائد الحديدة: الفرقة الرابعة عشر في الجيش العثماني.
لمَّا أعلن الدستور العثماني سنة (1908م) رجع إلى دمشق، وأصبح يطالب معه إخوانه هناك بحقوق العرب التي تنكرت لها حركة التتريك، وفي هذه الرحلة شارك في تحرير جريدة هزلية تسمى «كار الخرج»، فانتبهت السلطات الحكوميَّة للجريدة، فسافر الشيخ إلى بيروت، فأمرت الحكومة بملاحقته، فانتقل إلى القاهرة وهناك شارك في جريدة المؤيد.
وفي سنة (1913م) أسس الشيخ محمد رشيد رضا مدرسة الدعوة والإرشاد فدرس فيها الشيخ محب الدين الخطيب.
وعندما قامت الحرب العالمية الأولى سافر إلى مكة وأسس المطبعة الأميريَّة، وأصدر جريدة القبلة الناطقة باسم حكومة الحجاز، وكان الشريف حسين يستشيره في كثير من الأمور الخارجيَّة مع الشيخ كامل القصاب.
ولمَّا دخل العرب دمشق عام (1918م) بقيادة الأمير فيصل عاد الشيخ محب الدين الخطيب، وأنيط به إدارة وتحرير الجريدة الرسميَّة للحكومة باسم العاصمة.
ولمَّا دخل الفرنسيون عام 1920م دمشق غادرها الشيخ محب الدين إلى مصر واستقرَّ في القاهرة حيث عمل في تحرير جريدة الأهرام خمس سنوات، وهناك أسس المكتبة السلفيَّة ومطبعتها، حيث قام بطباعة الكتب السلفيَّة، ونشر كثيرًا منها، وأصدر مجلة الزهراء، وهي مجلة أدبيَّة اجتماعيَّة دامت خمس سنين، ثمَّ أسس جريدة الفتح، ثمَّ تولَّى تحرير مجلة الأزهر ست سنوات، ثمَّ ساهم في إنشاء جمعية الشبان المسلمين في القاهرة.
وقد أحدث قيام جمعية الشبان المسلمين في القاهرة ردة فعل شديدة لدى دعاة الإلحاد والعلمانيين والمنصرين، فتربصوا به حتى وجهوا أنظار النيابة العامَّة إلى مقال كتبه بعنوان: الحرية في بلاد الأطفال نال فيه من كمال أتاتورك فقبض عليه وحكم عليه بالسجن لمدة شهر.
جعل محب الدِّين مطبعته ومكتبته السلفية وصحفه, منبرًا لمقاومة التغريب وأفكاره، فهاجم سلامة موسى وأحمد لطفي السيد وطه حسين وغيرهم من رموز التغريب والعلمانية.
نشر في مجلة المؤيد كثيرًا من أعمال المنصرين البروتستانت نقلاً عن مجلتهم مجلة العالم الإسلامي الفرنسيَّة، وفضح ما يراد بالمسلمين من حشر على أيديهم وعقولهم الملوثة، فكان من نتاج ذلك الغارة على العالم الإسلامي الذي كان له دوي في العالم الإسلامي.
وكان من أوائل العلماء الذين تنبَّهوا لأخطار الصهيونيَّة، وحذروا منها، وكشفوا الغطاء عن حقائقها وأسرارها، ومحاولة اليهود في الوصول إلى فلسطين عام (1844م) ومطالبتهم لمحمد علي باشا بفلسطين، وما كان بينهم وبين السلطان عبد الحميد سنة (1902م)، ومقالاته في الفتح شاهد صدق على ذلك.
كما كان الشيخ محب الدين الخطيب مشرف اللجان التي تشكلت لجمع المال من أجل المجاهدين الذين يستعدون لملاقاة الفرنسيين الغزاة في ميسلون قرب دمشق.
وكشف زيف الحركات الباطنيَّة حيث استطاع الروافض أن يرسلوا أحدهم «محمد التقي» إلى مصر وتحت شعار التقريب أنشأ دارًا وأصدر مجلة واستأجر شقة في الزمالك وكانت الأموال تنفق دون حساب وتشكك المخلصون من علماء أهل السنة الذين خدعوا ابتداء بشعارات براقة وبدءوا يتركونها ويبعدون عنها ويحذرون منها.
قال الشيخ محب الدين الخطيب: انفض المسلمون جميعًا من حول دار التخريب التي كانت تسمى دار التقريب ومضى عليها زمن طويل والرياح تصفر في غرفها الخالية تنعى من استأجرها، ثم يذكر أنه لم يبق متعلقًا بعضويتها إلا بعض المنتفعين ماديًّا في ولاء انتمائهم إلى هذه الدار، وأن العلماء المخلصين من أهل السنة انكشف لهم المستور من حقيقة دين الرافضة، ودعوة التقريب التي يريدها الرافضة، فانفضوا عن الدار وعن الألاعيب التي يراد إشراكهم في تمثيلها، ثم يقول: فلم يبق موضع عجب إلا استمرار النشر الخادع في تلك المجلة ولعل القائمين يضعون لها حدًّا.
وهذه المجلة رسالة الإسلام توقفت في(17رمضان 1392هـ) وهو العدد(60).
ولما شعر الروافض بفشلها ويئِسوا من نجاحها أنشأوا دارًا لنشر عقيدة الروافض بين أهل السنة في مصر وهي تمارس نشاطها تحت اسم جمعية أهل البيت.
وقد صنف الشيخ محب الدين الخطيب كتابه الفذ: الخطوط العريضة لدين الاثنى عشرية وبين فيه كذبهم على الله وعلى رسوله وعلى كتابه وعلى آل البيت الطاهرين.
ولا يزال هذا الكتاب على صغر حجمه أصدق وثيقة في بيان دين الشيعة الاثنى عشرية وأنه كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماءً حتى إذا جاءه لم يجده شيئًا، بل وجد الرفض والتآمر على الإسلام والمسلمين والعمالة لأعداء الدين.
قام محب بنشر كتب شيخ الإسلام ابن تيمية، ودافع عن الصحابة ورد الشبهات عنهم ويتجلى ذلك في نشره كتاب العواصم من القواصم، هذا الكتاب الذي فند كثيرًا من الروايات الساقطة التي اخترعها الكذابون فيما حصل بين الصحابة.
كما نشر أعظم كتاب خدم السنة المطهرة وهو فتح الباري مع تعليقات الإمام ابن باز.
و تواصل مع العلماء والدعاة السلفيين ومن ذلك رسالته للشيخ الألباني كما في مقدمة آداب الزفاف.
بعد ثلاث وثمانين سنة قضاها في البحث، والتحرير، والتأليف، والدفاع عن الإسلام ضد المستشرقين، والمنصرين، والروافض، والعلمانيين توفي رحمه الله يوم 22 شوَّال سنة 1389هـ, الموافق 30 ديسمبر من عام 1969م, بمستشفى الكاتب بالدقي في مصر بعد إجراء عمليَّة جراحيَّة, وبعد أن أمضى حياة مليئة بالعمل والنَّشاط.
ولقد ترك محب الدين الخطيب آثارًا عظيمة تدل على عبقريته وموسوعيته كما قال أنور الجندي: وبالجملة فإنَّ السيد محب الدين الخطيب وآثاره تعد رصيدًا ضخمًا في تراثنا العربي، وفكرنا الإسلامي، وقد أضاف إضافات بناءة، وقدم إجابات عميقة، وزوايا جديدة لمفاهيم الثقافة العربيَّة وقيمها الأساسيَّة، منها: توضيح الجامع الصحيح للإمام البخاري – شرح صغير، والحديقة – 14 جزءًا – مجموعة أدبيَّة وحكم، والخطوط العريضة التي قام عليها دين الشيعة الاثنى عشريَّة، و مع الرعيل الأول – عرض وتحليل لحياة الرسول مع أصحابه، و من الإسلام إلى الإيمان – حقائق عن الفرقة الصوفيَّة التيجانيَّة، وحملة رسالة الإسلام الأولون، والإسلام دعوة الحقِّ والخير، وذو النورين عثمان بن عفان، و الجيل المثالي، ومراسلات بينه وبين الأمير شكيب أرسلان، بلغت ألف رسالة.
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى